الجزائر وإحتقان مصر...
صمت رسمي يفخخه تهليل شعبي ومباركة حزبية
رغم دخول مظاهرات الغضب المصرية المطالبة برحيل الرئيس حسني مبارك يومها السابع، إلاّ أنّ الجزائر "الرسمية" لا تزال تلتزم الصمت المطبق حيال ما يحدث، مقابل التهليل الشعبي العارم ومباركة التشكيلات السياسية على إختلاف إتجاهاتها لثورة التغيير الشعبية في أرض النيل. وسط صمت رسمي حيال موجة الاحتجاجات التي تشهدها مصر، وتفضيل وسائل الإعلام الحكومية في الجزائر التركيز على عصافير الجنوب وخزف الغرب وبطاطس الشمال، بدلا من التعاطي مع ما يحدث في مصر، يبرز قاسة عيسي عن حزب الغالبية "جبهة التحرير" في تصريحات خاصة بـ إ يلاف، تأييده لإرادة الشعب المصري، بيد أنّه يستبعد أي ارتدادات في بلاده، في حين يشير فاتح ربيعي زعيم حركة النهضة الإسلامية، إلى أنّ السيناريو المصري يؤكد حاجة الانظمة العربية إلى التغيير، بينما يجزم المحلل فيصل ميطاوي أنّ كل المؤشرات تقود إلى أنّ الجزائر ستكون الرقم ثلاثة في مسار الانتفاضة الشعبية.
ويؤكد قاسة عيسي المتحدث باسم جبهة التحرير الوطني، على أنّ الأخير يقف مبدئيا مع إرادة الشعوب، لكنه أرجأ إعلان الموقف الرسمي إلى حين اجتماع قيادات الحزب الأول في البلاد، مردفا "نحن نتابع الأوضاع عن كثب وسنتداول في المسألة قريبا". في هذا الاطار، يصنف عيسي ما حدث في تونس وما تشهده مصر وما يهدد دولا أخرى، ضمن دائرة "خارطة طريق مطروحة" جرى الشروع فيها مع تسريبات ويكليكس، كما يقول الناطق باسم التشكيلة التي يتزعمها عبد العزيز بلخادم وزير الدولة الممثل الشخصي للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الرئيس الشرفي لهذا الحزب. ويضيف عيسي أنّ لا يوجد علاقة بين النموذج المصري والحالة الجزائرية، معتبرا أنّ الأحداث التي هزت الجزائر في الخامس من الشهر الماضي لم تنطو على أي طرح سياسي، على حد تعبيره، وظلت رهينة مطالب اجتماعية.
وبشأن انتقادات المعارضة الجزائرية لغلق المجال السياسي واستمرار سريان حالة الطوارئ، يُسقط عيسي صحة تلك الانتقادات، ويحيل إلى أنّ كل الوسائل التعبيرية متاحة، والسلطات لم تمنع الأحزاب عن القيام بأدوارها، والمشكلة بحسبه تنحصر في عجز قيادات حزبية عن تعبئة الشارع المحلي، مستدلا بالحزب الأمازيغي المعارض "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" لزعيمه سعيد سعدي الذي اشتكى من التضييق وحرمانه من السير بالعاصمة، ومع ذلك لم يقو سوى على إقناع ألفي متظاهر على السير بمدينة بجاية (260 كلم شرق) قبل يومين.
ويشير المتحدث باسم جبهة التحرير إلى أنّ الوضع المصري والمشكلات الاجتماعية في الجزائر، دفعت البعض إلى محاولة خلق ما سماها "ظروف صدامية"، والسعي لركوب الموجة واستغلالها، كما يدافع عيسي عن تمسك وزير الداخلية "دحو ولد قابلية" بحظر المسيرات، بقوله إنّه يكفي أن يندس خمسة أو عشرة مشاغبين في مظاهرة ما، حتى تعمّ الفوضى.
ويقرّ عضو المكتب السياسي في الجبهة، بوجود تذمر كبير بين مواطنيه سيما بين الشباب، بفعل معاناة بين 21 و25 بالمائة من خريجي الجامعات –بحسب خبراء – من البطالة وما يترتب عن ذلك من مآزق، متصورا أنّ ذلك يشكّل جوهر الصراع، ما دفع بعبد العزيز بلخادم لتكليف نوابه في البرلمان بتفقد وحل المشاكل المتراكمة عبر الولايات الـ48.
نظام مبارك آيل إلى الزوال
يجزم فاتح ربيعي زعيم الحزب الإسلامي المعارض "حركة النهضة"، بأنّ نظام الرئيس المصري حسني مبارك آيل إلى الزوال ويجري التمهيد له بتأمين مصالح الفئة الحاكمة وخروجها من دون أي متابعة.
ويسجل ربيعي أنّ ما يحدث بمصر شبيه بتونس ونتيجة طبيعية للاستبداد والقهر والمعاناة وعليه طفح الكيل، خصوصا مع جنوح النظام المصري إلى التضييق بدل خطوات شجاعة.
وإذ يأمل ربيعي أن تحقق "الانتفاضة المصرية" أهدافها بما ينتج تغييرا جديا يمنح الكلمة للشعب ويتوّج ذلك بمؤسسات قوية، فإنّه يربط تجسيد هذا التغيير بموقف المؤسسة العسكرية ومدى انحيازها إلى الشعب وتطلعاته، أو لصالح النظام والفئة الحاكمة، ويقرن التجسيد أيضا بمدى قدرة الانتفاضة على الصمود ومواصلة حراكها حتى تحقيق الأهداف، ملّحا أنّ إصرار المدّ الشعبي، سيرغم النظام على الرضوخ.
وفي جميع الحالات، يلفت الزعيم الإسلامي الشاب إلى انّ ما يحصل في مصر زلزال قوي ستكون له تبعاته وآثاره وينبئ بتغير جذري وراديكالي في المنطقة العربية ككل.
وتعليقا على الصمت الرسمي، لا يبدي ربيعي استغرابا، مضيفا:"حتى ما حدث في الجزائر لم يتعاطوا معه، فكيف يتناغموا مع الوضع في تونس ومصر"، ويعتبر محدثنا أنّ الأنظمة العربية عامة تحتاج إلى إصلاح بما يحولها إلى مساحة معبّرة فعليا عن نبض الشارع وطموحات الشعوب، وذلك لن يتم إلا في حالة قيام أنظمة ديمقراطية تعددية، طالما أنّ "النظم في واد والشعوب في واد" مثلما قال.
وينتهي ربيعي إلى إبراز مستوى التشبث بالكرسي لدى مبارك، بالرغم من عنف الزلزال وما خلّفه من دماء ودموع، ولو حدث عُشر أحداث مصر في دولة أوروبية، لاستقال الحاكم على الفور فاسحا المجال أمام تغيير جذري.
مبارك نبش قبره قبل الآوان، والدور سيكون على الجزائر
يركّز المحلل السياسي الجزائري فيصل ميطاوي، على أنّ مبارك يمعن في ارتكاب الخطايا، رغم أنّ ما يحدث في بلاده حاليا نتيجة لاستبداد مزمن، ويتساءل ميطاوي:"هل يعقل لرجل جاوز الثمانين ويحكم البلاد منذ 30 سنة ومع ذلك لم يعتبر بما في حدث في تونس مع خلع زين العابدين؟".
ويعدّد ميطاوي هفوات الرئيس المصري الحالي، بينها عدم تطبيقه إصلاحات حقيقية وإنهائه لفكرة التوريث لتخفيف الغضب وامتصاص ثورة مواطنيه، وارتضائه بدلا عن ذلك تعيين مسؤول المخابرات العسكرية عمر سليمان نائبا له، مع كل ما يمثله ذلك من "عسكرة للنظام" وهو خطأ فادح ينبذه العالم.
ويرى ميطاوي أنّ مبارك نبش قبره قبل الآوان، وهو يعيش لحظاته الأخيرة التي قد تكون ساعات مثلما قد تطول إلى أيام وأسابيع، في وقت صار محمد البرادعي نجما ساطعا مؤهلا للإمساك بزمام المسيرة الديمقراطية الجديدة خصوصا مع ضغوطات واشنطن ورؤية البيت الأبيض لمصر وليس مبارك كحليف.
في سياق متصل، يوجّه ميطاوي انتقادات لاذعة إلى دبلوماسية بلاده التي يراها مهلهلة قديمة لا تبالي بما يحدث، ولا تزال بمنظوره "رهينة خمسينيات وأربعينيات القرن الماضي"، ويورد ميطاوي أنّ الدبلوماسية الجزائرية يديرها شيوخ لا يفقهون في ضرورة التموقع، ورغم ما يطالب به الغرب النظم المستبدة من ضرورة التغيير ورفع حالة الطوارئ، إلاّ أنّ الجزائر لم ترد إقحام نفسها، في مبعدة عن أي شجاعة.
ويشرح ميطاوي أنّ النظام الذي فرضه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة جعل كل صلاحيات السياسة الخارجية بيديه، وزاد عليها بسكوته عن الوضع الداخلي، ويسترجع محدثنا صورة لبوتفليقة مؤخرا بشرم الشيخ وهو يشد على يد مبارك، فكأنما النظم تتعاطف وتؤازر بعضها بعضا.
وعن انتقال موجة الاحتجاجات إلى الجزائر من عدمها على أهبة مسيرة 12 شباط/فبراير القادم، يبدي ميطاوي قناعته بأنّ كل المؤشرات موجودة كتنامي اللاعدالة والفساد المتفشي، غياب التمثيل الشعبي، فقدان قنوات الوساطة وتحييد النقابات، سلوك منهج القمع وعدم انتهاج أي قرارات، بجانب الاستخفاف بغضب الشارع من مسؤول الداخلية صاحب 78 سنة.
مصريو الجزائر متضامنون وأهل البلد متجاوبون
على منوال دول عربية وأوروبية أخرى، لم تشذ الجالية المصرية بالجزائر عن القاعدة، وأبدت تضامنا والتصاقا برهان التغيير في بلدهم الأمّ.
بضاحية بوزريعة، التقت إيلاف بعلاء وهو بائع بمحل للوراقة، خاطبنا بحماس بالغ:"ليحفظ الله هؤلاء الأبطال، زلزلوا كبرياء نظام هرم"، وقال علاء إنّ جسمه في الجزائر لكن عقله وقلبه في قاهرة المعزّ، متفائلا بنجاح مواطنيه في النسج على منوال التوانسة.
وبحي القبة وسط العاصمة، تحدثت إيلاف إلى حازم، وليد، محمود وخالد الذين أكّدوا أنّ المصريين جميعهم على رأي واحد:"التحرر والتغيير"، وأرجع هؤلاء عدم تنظيمهم لاعتصام أو مظاهرة أمام سفارة بلادهم بالجزائر، إلى خصوصية الوضع هناك وحظر السلطات لأي سلوك قد يضر بالاستقرار العام، لكن ذلك لا ينتقص بحسبهم من تضامنهم مع مصريي الداخل.
ويجمع حازم وزملاؤه على أنّ مبارك سيسقط حتما وستدرك مصر عهدا جديدا، حتى وإن كانت المهمة صعبة مع نظام يستمسك بالبقاء في السلطة، ويظهر محمود جزعا بشأن احتمال امتداد سيناريو الاحتجاجات، تبعا لما قد يتسبب من فاتورة ضخمة تطال الأرواح واقتصاد البلاد المنهك.
بدورهم، يشاطر الجزائريون آمال وتطلعات نظرائهم، ويقول بشير وهو موظف متقاعد إنّه أعجب بجسارة المصريين وصمودهم واستعدادهم للتضحية بثمانين مليون شهيد لأجل الانعتاق، في صورة حضارية تختصر كل التعاليق والخطب بنظر عامر العامل في مستشفى عام.
من جهتها، لا تخفي زهيدة المحاسبة في بنك خاص، أنّها فوجئت بثورة المصريين، وتقول إتّها لم تحس باعتزام أبناء النيل التمرد على واقعهم، لدى زيارتها مصر بمعية زوجها في الصيف الماضي، أما حليم العامل بورشة لطلاء السيارات، فيتمنى أن تكون نهاية الاحتجاجات سارة للمصريين الشرفاء.
ويلتقي المحامي عبد الحميد غرنوطي مع الأستاذة سعيدة والطبيب أيمن في أنّ ما يحصل بمصر يشكّل إنذارا لكل النظم الشمولية المتسلطة، في حين تخشى الأكاديمية حبيبة على الثورة المصرية من الفشل، فالجيش يحاصرها بحياده وتكتيكات آل مبارك تحاول استنزافها بالتعفين والتشويش. نقلا عن مجلة ايلاف الالكترونية
صمت رسمي يفخخه تهليل شعبي ومباركة حزبية
رغم دخول مظاهرات الغضب المصرية المطالبة برحيل الرئيس حسني مبارك يومها السابع، إلاّ أنّ الجزائر "الرسمية" لا تزال تلتزم الصمت المطبق حيال ما يحدث، مقابل التهليل الشعبي العارم ومباركة التشكيلات السياسية على إختلاف إتجاهاتها لثورة التغيير الشعبية في أرض النيل. وسط صمت رسمي حيال موجة الاحتجاجات التي تشهدها مصر، وتفضيل وسائل الإعلام الحكومية في الجزائر التركيز على عصافير الجنوب وخزف الغرب وبطاطس الشمال، بدلا من التعاطي مع ما يحدث في مصر، يبرز قاسة عيسي عن حزب الغالبية "جبهة التحرير" في تصريحات خاصة بـ إ يلاف، تأييده لإرادة الشعب المصري، بيد أنّه يستبعد أي ارتدادات في بلاده، في حين يشير فاتح ربيعي زعيم حركة النهضة الإسلامية، إلى أنّ السيناريو المصري يؤكد حاجة الانظمة العربية إلى التغيير، بينما يجزم المحلل فيصل ميطاوي أنّ كل المؤشرات تقود إلى أنّ الجزائر ستكون الرقم ثلاثة في مسار الانتفاضة الشعبية.
ويؤكد قاسة عيسي المتحدث باسم جبهة التحرير الوطني، على أنّ الأخير يقف مبدئيا مع إرادة الشعوب، لكنه أرجأ إعلان الموقف الرسمي إلى حين اجتماع قيادات الحزب الأول في البلاد، مردفا "نحن نتابع الأوضاع عن كثب وسنتداول في المسألة قريبا". في هذا الاطار، يصنف عيسي ما حدث في تونس وما تشهده مصر وما يهدد دولا أخرى، ضمن دائرة "خارطة طريق مطروحة" جرى الشروع فيها مع تسريبات ويكليكس، كما يقول الناطق باسم التشكيلة التي يتزعمها عبد العزيز بلخادم وزير الدولة الممثل الشخصي للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الرئيس الشرفي لهذا الحزب. ويضيف عيسي أنّ لا يوجد علاقة بين النموذج المصري والحالة الجزائرية، معتبرا أنّ الأحداث التي هزت الجزائر في الخامس من الشهر الماضي لم تنطو على أي طرح سياسي، على حد تعبيره، وظلت رهينة مطالب اجتماعية.
وبشأن انتقادات المعارضة الجزائرية لغلق المجال السياسي واستمرار سريان حالة الطوارئ، يُسقط عيسي صحة تلك الانتقادات، ويحيل إلى أنّ كل الوسائل التعبيرية متاحة، والسلطات لم تمنع الأحزاب عن القيام بأدوارها، والمشكلة بحسبه تنحصر في عجز قيادات حزبية عن تعبئة الشارع المحلي، مستدلا بالحزب الأمازيغي المعارض "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" لزعيمه سعيد سعدي الذي اشتكى من التضييق وحرمانه من السير بالعاصمة، ومع ذلك لم يقو سوى على إقناع ألفي متظاهر على السير بمدينة بجاية (260 كلم شرق) قبل يومين.
ويشير المتحدث باسم جبهة التحرير إلى أنّ الوضع المصري والمشكلات الاجتماعية في الجزائر، دفعت البعض إلى محاولة خلق ما سماها "ظروف صدامية"، والسعي لركوب الموجة واستغلالها، كما يدافع عيسي عن تمسك وزير الداخلية "دحو ولد قابلية" بحظر المسيرات، بقوله إنّه يكفي أن يندس خمسة أو عشرة مشاغبين في مظاهرة ما، حتى تعمّ الفوضى.
ويقرّ عضو المكتب السياسي في الجبهة، بوجود تذمر كبير بين مواطنيه سيما بين الشباب، بفعل معاناة بين 21 و25 بالمائة من خريجي الجامعات –بحسب خبراء – من البطالة وما يترتب عن ذلك من مآزق، متصورا أنّ ذلك يشكّل جوهر الصراع، ما دفع بعبد العزيز بلخادم لتكليف نوابه في البرلمان بتفقد وحل المشاكل المتراكمة عبر الولايات الـ48.
نظام مبارك آيل إلى الزوال
يجزم فاتح ربيعي زعيم الحزب الإسلامي المعارض "حركة النهضة"، بأنّ نظام الرئيس المصري حسني مبارك آيل إلى الزوال ويجري التمهيد له بتأمين مصالح الفئة الحاكمة وخروجها من دون أي متابعة.
ويسجل ربيعي أنّ ما يحدث بمصر شبيه بتونس ونتيجة طبيعية للاستبداد والقهر والمعاناة وعليه طفح الكيل، خصوصا مع جنوح النظام المصري إلى التضييق بدل خطوات شجاعة.
وإذ يأمل ربيعي أن تحقق "الانتفاضة المصرية" أهدافها بما ينتج تغييرا جديا يمنح الكلمة للشعب ويتوّج ذلك بمؤسسات قوية، فإنّه يربط تجسيد هذا التغيير بموقف المؤسسة العسكرية ومدى انحيازها إلى الشعب وتطلعاته، أو لصالح النظام والفئة الحاكمة، ويقرن التجسيد أيضا بمدى قدرة الانتفاضة على الصمود ومواصلة حراكها حتى تحقيق الأهداف، ملّحا أنّ إصرار المدّ الشعبي، سيرغم النظام على الرضوخ.
وفي جميع الحالات، يلفت الزعيم الإسلامي الشاب إلى انّ ما يحصل في مصر زلزال قوي ستكون له تبعاته وآثاره وينبئ بتغير جذري وراديكالي في المنطقة العربية ككل.
وتعليقا على الصمت الرسمي، لا يبدي ربيعي استغرابا، مضيفا:"حتى ما حدث في الجزائر لم يتعاطوا معه، فكيف يتناغموا مع الوضع في تونس ومصر"، ويعتبر محدثنا أنّ الأنظمة العربية عامة تحتاج إلى إصلاح بما يحولها إلى مساحة معبّرة فعليا عن نبض الشارع وطموحات الشعوب، وذلك لن يتم إلا في حالة قيام أنظمة ديمقراطية تعددية، طالما أنّ "النظم في واد والشعوب في واد" مثلما قال.
وينتهي ربيعي إلى إبراز مستوى التشبث بالكرسي لدى مبارك، بالرغم من عنف الزلزال وما خلّفه من دماء ودموع، ولو حدث عُشر أحداث مصر في دولة أوروبية، لاستقال الحاكم على الفور فاسحا المجال أمام تغيير جذري.
مبارك نبش قبره قبل الآوان، والدور سيكون على الجزائر
يركّز المحلل السياسي الجزائري فيصل ميطاوي، على أنّ مبارك يمعن في ارتكاب الخطايا، رغم أنّ ما يحدث في بلاده حاليا نتيجة لاستبداد مزمن، ويتساءل ميطاوي:"هل يعقل لرجل جاوز الثمانين ويحكم البلاد منذ 30 سنة ومع ذلك لم يعتبر بما في حدث في تونس مع خلع زين العابدين؟".
ويعدّد ميطاوي هفوات الرئيس المصري الحالي، بينها عدم تطبيقه إصلاحات حقيقية وإنهائه لفكرة التوريث لتخفيف الغضب وامتصاص ثورة مواطنيه، وارتضائه بدلا عن ذلك تعيين مسؤول المخابرات العسكرية عمر سليمان نائبا له، مع كل ما يمثله ذلك من "عسكرة للنظام" وهو خطأ فادح ينبذه العالم.
ويرى ميطاوي أنّ مبارك نبش قبره قبل الآوان، وهو يعيش لحظاته الأخيرة التي قد تكون ساعات مثلما قد تطول إلى أيام وأسابيع، في وقت صار محمد البرادعي نجما ساطعا مؤهلا للإمساك بزمام المسيرة الديمقراطية الجديدة خصوصا مع ضغوطات واشنطن ورؤية البيت الأبيض لمصر وليس مبارك كحليف.
في سياق متصل، يوجّه ميطاوي انتقادات لاذعة إلى دبلوماسية بلاده التي يراها مهلهلة قديمة لا تبالي بما يحدث، ولا تزال بمنظوره "رهينة خمسينيات وأربعينيات القرن الماضي"، ويورد ميطاوي أنّ الدبلوماسية الجزائرية يديرها شيوخ لا يفقهون في ضرورة التموقع، ورغم ما يطالب به الغرب النظم المستبدة من ضرورة التغيير ورفع حالة الطوارئ، إلاّ أنّ الجزائر لم ترد إقحام نفسها، في مبعدة عن أي شجاعة.
ويشرح ميطاوي أنّ النظام الذي فرضه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة جعل كل صلاحيات السياسة الخارجية بيديه، وزاد عليها بسكوته عن الوضع الداخلي، ويسترجع محدثنا صورة لبوتفليقة مؤخرا بشرم الشيخ وهو يشد على يد مبارك، فكأنما النظم تتعاطف وتؤازر بعضها بعضا.
وعن انتقال موجة الاحتجاجات إلى الجزائر من عدمها على أهبة مسيرة 12 شباط/فبراير القادم، يبدي ميطاوي قناعته بأنّ كل المؤشرات موجودة كتنامي اللاعدالة والفساد المتفشي، غياب التمثيل الشعبي، فقدان قنوات الوساطة وتحييد النقابات، سلوك منهج القمع وعدم انتهاج أي قرارات، بجانب الاستخفاف بغضب الشارع من مسؤول الداخلية صاحب 78 سنة.
مصريو الجزائر متضامنون وأهل البلد متجاوبون
على منوال دول عربية وأوروبية أخرى، لم تشذ الجالية المصرية بالجزائر عن القاعدة، وأبدت تضامنا والتصاقا برهان التغيير في بلدهم الأمّ.
بضاحية بوزريعة، التقت إيلاف بعلاء وهو بائع بمحل للوراقة، خاطبنا بحماس بالغ:"ليحفظ الله هؤلاء الأبطال، زلزلوا كبرياء نظام هرم"، وقال علاء إنّ جسمه في الجزائر لكن عقله وقلبه في قاهرة المعزّ، متفائلا بنجاح مواطنيه في النسج على منوال التوانسة.
وبحي القبة وسط العاصمة، تحدثت إيلاف إلى حازم، وليد، محمود وخالد الذين أكّدوا أنّ المصريين جميعهم على رأي واحد:"التحرر والتغيير"، وأرجع هؤلاء عدم تنظيمهم لاعتصام أو مظاهرة أمام سفارة بلادهم بالجزائر، إلى خصوصية الوضع هناك وحظر السلطات لأي سلوك قد يضر بالاستقرار العام، لكن ذلك لا ينتقص بحسبهم من تضامنهم مع مصريي الداخل.
ويجمع حازم وزملاؤه على أنّ مبارك سيسقط حتما وستدرك مصر عهدا جديدا، حتى وإن كانت المهمة صعبة مع نظام يستمسك بالبقاء في السلطة، ويظهر محمود جزعا بشأن احتمال امتداد سيناريو الاحتجاجات، تبعا لما قد يتسبب من فاتورة ضخمة تطال الأرواح واقتصاد البلاد المنهك.
بدورهم، يشاطر الجزائريون آمال وتطلعات نظرائهم، ويقول بشير وهو موظف متقاعد إنّه أعجب بجسارة المصريين وصمودهم واستعدادهم للتضحية بثمانين مليون شهيد لأجل الانعتاق، في صورة حضارية تختصر كل التعاليق والخطب بنظر عامر العامل في مستشفى عام.
من جهتها، لا تخفي زهيدة المحاسبة في بنك خاص، أنّها فوجئت بثورة المصريين، وتقول إتّها لم تحس باعتزام أبناء النيل التمرد على واقعهم، لدى زيارتها مصر بمعية زوجها في الصيف الماضي، أما حليم العامل بورشة لطلاء السيارات، فيتمنى أن تكون نهاية الاحتجاجات سارة للمصريين الشرفاء.
ويلتقي المحامي عبد الحميد غرنوطي مع الأستاذة سعيدة والطبيب أيمن في أنّ ما يحصل بمصر يشكّل إنذارا لكل النظم الشمولية المتسلطة، في حين تخشى الأكاديمية حبيبة على الثورة المصرية من الفشل، فالجيش يحاصرها بحياده وتكتيكات آل مبارك تحاول استنزافها بالتعفين والتشويش. نقلا عن مجلة ايلاف الالكترونية