للمرة الثانية على التوالي، وفي ظرف أقل من أسبوع، يخرج وزير الداخلية ليؤكد بأن ما صدر على لسانه بشأن عدم اعتماد أحزاب جديدة، ليس زلة لسان، بقدر ما هو سياسة معتمدة من طرف السلطة التي لا تملك إرادة سياسية لفتح المجال السياسي والإعلامي، وبأن كل ما قدمته إلى حد الآن من ''تنازلات'' قد جرى في لحظة ''ذعر'' ليس إلا. كيف لا، وقد قال وزير الداخلية إن اعتماد أحزاب جديدة ليس ضمن أجندة ''أولويات'' السلطة، وفي ذلك أكثـر من إشارة إلى أن السلطة لم تشرع فحسب في التراجع عن تلبية المطالب السياسية المطروحة من قبل المعارضة، بل تكون قد قررت أن تجعل يدها مغلولة إلى عنقها ولا تريد بسطها كل البسط، مثلما لمحت إلى ذلك غداة أحداث الشارع يوم 5 جانفي الفارط. ويكون استعراض القوة الذي أظهره أنصار مسيرة السبت وعدم قدرتهم على التجنيد قد دفعها إلى مراجعة حساباتها بالعودة إلى الانغلاق مجددا.
قال إن الأمر ''ليس أولوية'' بالنسبة للسلطةولد قابلية يغلق الباب نهائيا أمام اعتماد أحزاب جديدة لا يمكن نشر 30 ألف رجل أمن في العاصمة في يوم واحد
قال دحو ولد قابلية، أمس، لصحفيين داخل مبنى مجلس الأمة، إن طلبات اعتماد أحزاب جديدة ''ليست أولوية بالنسبة للسلطات'' المهتمة، حسبه، بالإجراءات التي أعدتها لفائدة فئة الشباب، بمعنى القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية في إطار مجلس الوزراء الأخير، وأوضح بأن ''القضايا السياسية تأتي فيما بعد''. وبهذا التصريح، يكون الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، عن طريق وزير داخليته، قد أنهى جدلا قام في سياق قرار رفع حالة الطوارئ، بخصوص احتمال اتخاذه قرارات أخرى من بينها إلغاء الحظر على إنشاء أحزاب ونقابات وكسر احتكار الدولة للإعلام سمعي البصري. ويُفهم من كلام ولد قابلية أن الإجراءات المعلن عنها مؤخرا، ستتوقف عند سقف المطالب ذات الطابع الاجتماعي ولن تتعدى إلى المطالب في شقها السياسي، المرتبطة بالحقوق والحريات والديمقراطية.
وكان ولد قابلية يتحدث بمناسبة افتتاح دورة الربيع البرلمانية، إذ سئل عن دعوات بحل البرلمان بغرفتيه والمجالس المحلية المنتخبة. ورد عليها دحو باستغراب قائلا إن عهدة البرلمان والمجلس لم يتبق منها إلا شهور قليلة، ما يعني أن حل المجالس المنتخبة غير وارد.
وبخصوص المسيرة التي يتمسك الأرسيدي بتنظيمها بالعاصمة، قال دحو إن منظمي المظاهرات ''يتحملون مسؤولية تجاوزات قد تقع خلال تنظيم مسيرة، لأنهم يعرفون أن المظاهرات في العاصمة مرفوضة لدواعٍ أمنية''. ويذهب ولد قابلية بعيدا في شرح فكرته: ''سوف نواجه خطرا إرهابيا محدقا بنا في حال تنظيم مظاهرات بالعاصمة.. هناك قوانين تنظم المسيرات، وهي تمنعها في العاصمة والغرض من هذا المنع تجنب انحرافات قد تقع''. واستغرب الوزير عدد رجال الشرطة الذين قدمتهم المعارضة للصحافة، لتبيان ضخامة الترتيبات الأمنية التي أعدتها السلطات لمنع المظاهرات بالعاصمة. وقال في الموضوع إن رقم 30 ألف شرطي ''مبالغ فيه'' وإن إجمال عدد أعوان الأمن في البلاد يصل إلى 180 ألف. ويشتغل هؤلاء بالتناوب لمدة ثماني ساعات، حسب ولد قابلية الذي أضاف أنه لا يمكن نشر 30 ألف رجل أمن في العاصمة في يوم واحد. وأكد أن المجندين لمنع المسيرة، كانوا موزعين ضمن وحدتين كل واحدة تضم 200 شرطي.
وعاد وزير الداخلية إلى تصريحات وردت على لسانه عندما نزل ضيفا على القناة الإذاعية الثالثة الأسبوع الماضي، تتعلق بوجود مراكز اعتقال سرية، فقد فهم كلامه حينها أن مكان الاعتقالات سيكون معلوما بعد رفع حالة الطوارئ. لكن ولد قابلية، ذكر، أمس، أنه لم يكن يقصد ذلك ''فأنا لم أصرّح بوجود مراكز اعتقال سرية''.